باسم الله الرحمان الرحيم
1-
❊ إن الحديث عن "التخليق" يحيل ضمنيا على وجود اختلالات لها طبيعة أخلاقية، أولا، بمعني، أن الشأن الثقافي المغربي والعربي عامة، صار شأنا مختلا للغاية، وهو في ذلك يكشف عن مظاهر اختلال اجتماعي وسياسي واقتصادي. أي إن الثقافي لايمكن عزله عن السياق العام. لذلك لايمكننا أن نتحدث عن تنمية حقيقية إلا انطلاقا من رؤية عامة تندرج ضمنها كل المكونات الثقافية والاجتماعية والسياسية. والحال أن الواقع الثقافي يعرف فسادا وإفسادا، لاتساهم فيه المؤسسات الرسمية، لسوء الحظ، وإنما المثقفون والنخب الثقافية. لقد صارت ممارسات المثقف شبيهة بممارسات قطاع الطرق. (وأنا هنا لاأقصد أيا كان ولاأي جهة) وهكذا يكون المثقف قد تخلى عن دوره التاريخي ليتحول إلى آلة للتدمير والإفساد بصوره الأكثر عنفا وإفسادا.
2-
إن مظاهر الفساد الثقافي، كما الشأن في كل القطاعات الأخرى، لاتحتاج إلى رصد أو مرصد، لأنها باتت مكشوفة وواضحة، لذلك فهي تحتاج إلى "الجرأة" و"العقلانية" (ولن أقول الشفافية، التي استهلكت). فالفساد يكمن في السلوكيات التي نصادفها في اللقاءات الثقافية، وفي الممارسات التي تصدر عن بعض الأشخاص. من قبيل هيمنة ثقافة البطن، فأنت في اللقاءات لاتجد نقاشا جادا حول الموضوع أو القضية المطروحة، بقدر ما يكون الحديث عن "المآذب" و"الكؤوس" والقصارة، وفنادق الخمس نجوم، وقد يحتد النقاش حول سيميائية ترتيب الأسماء، إذ تستهلك الساعات، ويهدر الوقت، من أجل مناقشة من الأسماء التي ستتصدر اللائحة، ومن الأسماء التي تستحق أن تكون في منصة الندوة، ومن سيجلس في الوسط، حتى ينعم بصورة تتصدر واجهات الصحف. كيف يعقل أن يناقش المثقفون والأكاديميون، في زمن جد حرج ومحرج، مسأة أسبقية اسم على آخر في الملصق؟ وكيف نناقش مسألة الإقامة: »لماذا منح لفلان فنقد خمس نجوم وآخر منح إقامة في فندق أربع أو ثلاث نجوم«!؟ أما ما طرح، وما اجتمع حوله الناس، فلا يهم.. المهم هو المنصة وأن تلتقط الكاميرا الصورة، أما أن تكون القاعة فارغة من الحضور، فذاك ليس أمرا يستحق النقاش أو السؤال؟؟! أليس هذا قمة الفساد!؟ أليست هذه سلوكات البداوة والعدم؟!
إننا في حاجة إلى ترصد سلوكاتنا، لأن المؤسسات، حين تتأسس سرعان ما تتحول إلى آلة جديدة للإفساد؟! لسبب وحيد هو أن المؤسسات هي إنسانية، وتحكمها عقلية بشرية، ومادام المثقف يعاني من اللاتوازن في أبسط سلوكات التواصل مع ذاته ومع الآخرين، فكيف يمكنه أن يرتقي إلى مستوى المؤسسة أو المرصد؟!
3-
إن طرح موضوع الفساد الثقافي في المغرب، في مدينة طنجة، هو محاولة متواضعة من المركز المتوسطي للدراسات واأبحاث، الذي لم يكن تأسيسه مجرد نزوة أو »استمناء« في فضاء الجمعيات والعمل الجمعوي، ؤرنما من أجل تكريس سلوك فاعل من أجل ثقافة فاعلة. فنحن، نؤكد على »السلوك المتمدن« والحضاري، وهو أيضا كشف و"فضح" لفساد ثقافي خطير، تساهم فيه نخب ينبغي لها أن تظل بعيدة عن بعض الممارسات. فقد بات الشأن الثقافي يعرف دعارة من نوع كارثي حط إلى حد كبير، من الوضع الاعتباري للمثقف، وهو ما انعكس سلبا على دوره داخل النسيج المجتمعي. فكيف يمكن للمثقف اليوم أن يرقى بالمستوى العام وأن يكون فاعلا هاما في الحياة المجتمعية، بل وأن يكون مساهما في صناعة التحول التاريخي والثقافي. إن الوضع الثقافي صار مساحة لإنتاج كل أنواع الفساد. بل إن الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي يأتي من الفساد الثقافي وفساد المنظومة المعرفية التي تنتجها النخب، في ظل تغيبب واضح لمشاريع ثقافية تحمل هما حضاريا يتفاعل مع »الإمكانات« التاريخية والحضارية الراهنة.
من هنا، فإن الأمر لايتعلق باستشعار للخلل، بقدر ما هو إِشعار بواقع لم يعد يحتمل الصمت أو التأجيل. فكما أن الدولة، التي لأسف هي أكثر حداثة من العديد من المثقفين الدين ينادون ويتبجحون بالحداثة، استطاعت أن تكون جريئة في طرحها لقضايا التنمية والاختلالات الاقتصادية، والسياسية، من مظاهر الرشوة والفساد الإداري، وما إلى ذلك، فكذلك ينبغي أن يكون المثقف، اليوم، وقبل غد، أكثر جرأة، أو على الأقل في مستوى الدولة. وهذا أمر خطير، حين تصبح الأنظمة أكثر "تحديثا" لبنياتها ووسائلها من النخب. لأن النخب والمثقف هو القاطرة التي ينبغي أن تكون السباقة إلى طرح القضايا، وطرح مشاريع التغيير..
4-
إن ظاهرة الانحيازات الحزبية، والإخوانيات، والقبلية، هي جميعها وجوه متعددة لبنية أو نسق واحد لازال يحكم العقل العربي، وهو »العصبية القبلية« في صورها الأكثر فسادا. لازال العقل القبلي هو المتحكم في كل أنواع العلاقات داخل البنى الاجتماعية العربية. لذلك، فالمثقف، لم يتمكن من التخلص من »عصبيته« و »بداوته« لينخرط في الانتصار لابن منطقته، أو لصديقه، لسبب، مصلحي، وغالبا ما يكون له صلة بالجانب المادي. مما أنتج لنا »شعراء« كبار، و»نقادا« كبارا، ومحللون سياسيون كبارا، يملأون كل وسائل الإعلام، ويزعقون ويلوثون الفضاءات، دون أن يكون لهم من الكبر إلا »سلطان العصبية«..فصار لنا "أنصاف" الشعراء و»الشواعر« سفراء المغرب في الثقافة والفكر والفن، وصار أنصاف المثقفين وأنصف المناضلين، وتضخمت الأنصاف، لتكتمل الصورالأكثر تشوفها وإفسادا.. فالمولاة هي المتحكم في العلاقات، وهو ما جعل الجامعة المغربية، التي من المفروض أن تكون مرتعا لإنتاج النخب، عبارة عن مصانع لتكوين التشوهات. دخلت الرشاوى، والابتزاز الجنسي، والمواولاة مدراجتها وصارت لنا طوابير من حملة الشواهد العليا التي اختص بعض حامليها في »تقديم فروض الطاعة والولاء«، لا للعلم، وإنما لمدرس العلم..(وإن كان بينه وبين العلم مسافة كبيرة)!
5
يقودنا، ما سلف، إلى القول بأن من العملات التي صارت رائجة، هي الجنس، و"الكأس"، قل باختصار الدعارة من أحط الأنواع. فكيف يعقل أن يتم القبض على أستاذ جامعي في حالةج تلبس داخل سيارته وهو يمارس الجنس مع طالبة! وكيف تحولت بعض الأسماء إلى شمس في مجال الإبداع، دون أن يكون لها من نصيب في الشعر غير جمال جسدها ووجهها؟
وإذا ما صادفنا في الصحافة، ووسائل الإعلام، نقاشا، وهو في الغالب سبا، لا يكون العلم أو المعرفة هو الموضوع الرئيسي، وإنما هو مطية. وما يفضح هذا هو أن من كان كاتبا كبيرا، أمس، يصبح من قبل من نفخ فيه، بعد مدة مجرد كاتب تافه!! وكيف أن بعض الأسماء، سرعان ما تتضخم في ظرف زمني قياسي، ثم تأفل بعد مدة قياسية.
إن الأخطاء الإملائية والنحوية واللغوية والمعرفية والأكاديمية، كلما تعددت في الحروب الصحفية، كلما فهمنا أن الأمر كان فيه مال وجنس وسكر وعربدة..!
المال مشكلة المشاكل، وقضية القضايا عند العديد من المقفين. من أجل المال صار كل شيء مستباح. ومن أجل الجنس، في صوره الأكثر قرفا وحيوانية، صار بالإمكان التنازلب عن كل شيء، عن القيم النضالية والأخلاقية والعلمية..فكم مرة تزكم أنوفنا رئحة الجنس والمال، في الخصومات والحروب الصحفية..إن هذا يضعنا أمام أزمنة حقيقية، أزمة قيم ومسؤولية المثقف.. ليس مشكلة أن تكون لمجهود يتعب من أجل إنجازه فنان أو باحث أو مبدع، ولكن حين يصبح للإنسان (من حيث هو إنسان) ثمنا، هنا ينتهي كل شيء!
6)
الأمر، لايتعلق بميثاق، لأن بعض صناع هذه السلوكات المفسدة، لايتوقفون عن تكرير الشعارات والمواثيق، فصار لنا خبراء في هذا المجال. وإن كان هناك من ضرورة لذلك، فأظن أن اتحاد كتاب المغرب والجمعيات الثقافية التي تشتغل بمسؤولية (وما أكثرها) إلى جانب المؤسسات الجامعية (التي تعرف بعض الكليات تسيبا خطيرا أخلاقيا ومعرفيا) والوزارة الوصية، جميعها معنية، وينبغي أن تنخرط في هذا المشروع الحضاري. ولكن قبل ذلك كله، وهو ما نسعى إليه، هو أن نتجرأ على فتح هذا الباب، أن نقتنع بأن هناك فسادا في المشهد الثقافي، وهو الذي يغذي القطاعات الأخرى.. فإذا كان الأستاذ الجامعي يتحرش وبتز الطالبات جنسيا، ويرتشي، ويدمر، ماذا ترك للآخرين أن يضيفوه للفساد؟!
7)
بالنسبة لموضوع الجوائز، أظن أن الفهم الذي يسوق للجائزة هو يفرغها من قيمتها. فشخصيا أرى أن الجائزة التي قد تأتي من مؤسسة، عمومية أو خاصة، ينبغي أن تتوج مشروعا ومسارا، لا أن تتوج عملا.. وكما سبق أن قلت، إن كان هناك من فساد، وهو موجود طبعا، في الجوائز فإن الهاجس المادي (المالي) هو الذي يتحكم، ومن قبله العصبية.. قال شوبنهاور: »كل ما ينمو ببطء يعيش طويلا..« لن تكون الجائزة أبدا قيمة، إنها اعتراف، وهذا الاعتراف ينبغي أن يناله أساتذتنا وأعلامنا الذين لايمكن أن نتجاهلهم:
8-
ثقافة الإنزال والعصبيات هي الثقافة السائدة، والهاتف، تكنولوجيا، مثلها مثل باقي التكنولوجيات، جعل منه العرب، والمغاربة، أداة للمحافظة على المجال الرعوي وضبط المسألة أكثر. إننا نتعولم تكنولوجيا واقتصاديا ونمارس ديمقراطية بصورة تدعو إلى الدهشة..المثقف بات أكثر ظلامية ويمارس طرقا، يندى لها الجبين، من أجل أن يحافظ على كرسي أو من أجل أن يحصل على امتياز.. فلا الديمقراطية ولا النزاهة والمسؤولية قيما، وإنما هي مجرد أداة تستعمل على المقاس، ثم بعد الانتهاء منها ترمى في أول قمامة تعترض سبيل مستعملها..
9-
لقد صرنا نعيش زمن المثقف بوشكارة. إن ثقافة Negre صارت مستشرية، ومظاهرها بادية للجميع، ولكن الخطير، هو أن يتستر عليها الجميع وأن يمارسها العديد من الذين ينبغي لهم أن يتصدوا لها. إن الأمر محكوم، دائما، بثقافة البطن، والمال والجنس..
يكفي أن تكون كاتبا كبيرا أو شاعرة كبيرة أو مناضلا كبيرا، أن توفر الزاد الكافي، من العملة المتداولة..لكن كما قال نيتشه: »حذار أن تحارب الوحوش وأن تتحول إلى وحش مثلها«.
0 التعليقات :
إرسال تعليق